الأحد، 20 أكتوبر 2013

حوليات : تدوينة 1 : قبل رفع الستار

الكل يتنظر ..
البعض يأكل .. و البعض يتحدث .. و البعض يضحك بصوت عال ..
الكل في الانتظار ..
انتظار رفع الستار ..
و هو من بعيد يقف وحيدا .. 
يدخن سيجارته في صمت .. في ثيابه الرثة القديمة ..
عيناه مثبتتان علي شيئا ما وراء الستار ..
عينيه كالصقر ..
كأنه صورة ثابته من فيلم ابيض و اسود ..
الدخان فقط يتطاير ..
تبدأ الموسيقي .. ثم تبدأ في الارتفاع تدريجاً ..
إذن هي موسيقي الافتتاح ..
الجميع يخفو صوته ..
الجميع يصمت ..
الجميع يترقب ..
الآن حان الوقت ..
انه رفع الستار ..
الآن و بعد تجارب مريرة مع كل مشاهد سيرفع الستار ..
البعض يتذكر في هذه اللحظة كيف حصل علي تذاكر الحفل بأعجوبة ..
بعضهم صدق .. و البعض لم يصدق ..
و هو في مكانه يتسائل ..
هل حقاً سيبدأ العرض ؟
هل حقاً سيري كل واحد من الحاضرين نفسه بدون قناع !!
هل سينكشف الكذب عن هذا العالم عند رفع الستار ..
هل سيعرف كل شخص من الذين قطعوا الالاف الكيلومترات الحقيقة اليوم ؟
حقيقة الحقيقة !!
حقيقة شغفتهم فضولاً ..
انه عرض الحقيقة المجرده ..
الحقيقة دون زيف او خداع او قناع ..
انه يوم الحسم ..
يوم تتوقف فيه دوائر الحظ و المجاملات و النفاق ..
انه يوم الرؤي البعيدة ..
رؤي الحقيقة .. و لا غيرها ..
هو وحده هناك صامت كالجبل ..
لا يتحدث و لم ياتي مع صحبه ..
هو وحده من شغله العقل و المنطق ..
انه يؤمن انها اكذوبه ما ..
هو لا يعرف لماذا يعتقد انها كذلك غير انه يراها كذلك !!
هو يتوقع الفشل ..
حملة التسويق للحفل التي اخذت اكثر من 6 اشهر اتت ثمارها ..
لايوجد مكان لقدم ..
هو يدرك ان الموضوع مجرد دعابة سخيفة او طريقة للإحتيال علي اموال التعساء ..
شيئا مارغم كل ذلك يقلقه ..
لا يعلم لماذا ..
و فجأة ..
اظلمت الانوار .. بدأ في الارتعاش قليلا و تتزايد درجه حرارته ..
هو الفضول و الخوف من المجهول ..
و بدأ رفع الستار ..
بدأ تدريجاً ينزاح لأعلي ..
الكل يتسابق بنظره ليري ما توريه الستائر ..
 حتي الآن الاسود هو سيد كل شئ ..
الصمت يقتل الجميع .. و يقتل الشاب بدوره من القلق ..
و مازالت الستائر تعلو ..
و الظلام هو الحاكم و القاضي و المذنب ..
رفع الستار علي ظلام ..
و بدأ هناك بصيص من النور خطف الأبصار ..
الكل يتابع بفضول الدنيا .. و كأن الزمن اعلن توقفه ..
البصيص يزداد .. و تتسع بؤرته ..
ثم يخيل للحضور ان هناك ظل بداخل البصيص ..
لكهل ما .. شيخ او واعظ او حاخام ..
لا احد يدري .. لا احد يري التفاصيل بوضوح ..
بدأ الضوء يخقت و الاضاءة مازالت مغلقة ..
هو يقف امام ما تبقي من النور مباشرة ..
لا احد يري وجه ..
لا احد يدري من هو ..
هو يقف .. و ينظر الي الحضور ..
و بصوت رخيم كصوت الثلج ان تخيلنا له صوت ..
يسمعه يقول مرحبا !
ثم يستدير ليعطي الحشود ظهره ..
و يتحدث كإنما يخاطب نفسه قائلاً ..
- الجميع ينتظر هذه اللحظة منذ اشهر ..
 والجميع اشتري التذاكر قدر قيمتها بعشرة اضعاف .. لمجرد اني سأحكي لكم قصة الحقيقة ..
حقيقة وجودنا هنا ..
وجودنا في هذا العالم .. حقيقة كل شئ ..
كل ما حولنا .. كل ما نخاف منه و كل ما نحبه ..
انا اعلم ان الجميع هنا يريد الحقيقة و لا غيرها ..
دعوني اقل لكم شيئا ما ..
يلتفت الآن ليواجه الجمهور و كأنما يري اعين المتلهفين حوله قائلا بهدوء:
ماذا تريدون ان تعرفوا ؟
الصمت مخيم علي المكان .. الهمهمات بدأت تتصاعد ..
الصخب يرتفع .. الكل يرفع يده و يتكلم في آن واحد ..
هو لا يستمع الي اي احد .. هو ينظر الي الغريب في زاوية المسرح ..
ذلك الشاب ذو السيجارة الصامت ..
يتحرك الي حافة المسرح متوجها إتجاهه قائلاً بصوت رتيب اخرس الجميع :
- انت !! قل لي ما تريد ان تعرف ؟
الشاب لم ينبس ببنت شفه ..
الشاب في مكانه حتي الآن .. ينظر بدوره و داخله يدور الف سؤال ..
هناك سؤال حضر له كثيراً ليعرف اجابته ..
يتخذ قراره بان يخمد نيران سيجارته تماماً تحت خطوات اقدامه و هو يتقدم بثبات الي المسرح ..
ماراً بصفوف الجماهير ..
يقف ما بين الحافة و ما بين درجة المسرح الكبيرة ..
يحاول ان يتبين ملامح الشيخ.. لكن بلا جدوي ..
نظر الي الظل مكان عينيه و قال بصوت عال:
- اريد ان اعرف لماذا انت يا شيخ هنا ؟ و لماذا ..
قاطعه الشيخ قائلاً :
- طلبت منك سؤالاً ياولدي .. و ليس اكثر .. القاعة ممتلئة كما تري ..
- انا هنا لكي اثبت لك ان الامر ليس اكذوبة تسويقية او خلافه .. إبتسم الشيخ و ادار وجهه مره اخري ..
و الشاب في قمه حيرته .. و الخوف بدأ يتسلل اليه ..
هل اضاع الفرصة الوحيدة لكي يسأل هذا الشيخ الغامض ..؟ 
لماذا اضاع عليه فرصة ان يكمل سؤاله ..
نظر الشيخ لأحد الحضور و استمع لسؤال مغزاه .. لماذا خلقنا في هذه الدنيا ..
و يجيب الشيخ ببساطه : خلقنا لكي نسود الدنيا !
و ينتظر سؤالا آخر .. احدهم يسأله : لماذا نموت ؟ فيجيب لكي ننعم بالحياة ..
احدهم سأله عن الساعة و القيامة .. و الشيخ يجيب بكل بساطة : لم يحن وقتهما بعد !
بدأت اسئلة الجميع في النفاذ ..
البعض بدأ يستائل عن اشياء من قبيل - هل (نادية) تحبني حقاً ؟
- هل ساموت السنة المقبلة ؟ 
- هل سأنجو من فعلة قمت بها ؟
و الشيخ يبتسم و يضحك و يجيب ببساطه ..
و الشاب يقف في ذهول ..
يحترق كما احترقت سيجارته منذ قليل ..
اجابات الرجل منطقية و بسيطة ..
هو لا يدعي انه كاذب و لا يستطيع بالمثل ان يدعي انه  صادق ..
هناك امراً ما .. هذا الرجل ليس بآله ..
هذا الرجل ليس بنبي و لا بشيطان ..
بدأت تتسارع دقات قلبه ..
هل هو خوف ام انه امام حالة فريدة من نوعها ..
اين الشرطة لتقبض علي هذا الدجال ؟؟ الغريب انه سمع ان اكبر القيادات حاضره هنا.. و تسأل ..!
 لو قام بالصعود عنوة سيقوم الجميع بإنقاذ الشيخ ..
و اذا قام بالحديث مرة اخري فلن يسمح له الحضورو قد يطرد ..
خاصة انه يعلم ان هناك سؤالاً واحداً فقط لدي كل شخص ..
ينظر الشيخ الي الجميع نظرة عامة و يقول : انتظر آخر سؤال و سأرحل الي الأبد ..
تتسابق الايدي و تتعالي الصيحات ..
و حينها اتخذ قراره و ليحدث ما يحدث ..
ينطلق يعدو نحو خشبه المسرح .. في قفزة واحده اصبح يواجه الشيخ ..
لم يستطع الامن ان يوقفه او اي شخص آخر ..
و قبل النطق بأي حرف هوي علي راس الشيخ بلكمه اودع فيها كل خوفه ..
فلم تصطدم به كإن بينه و بين الشيخ اميال .. جعلته يحدق اكثر في الشيخ ..
الشيخ يتراجع ..
الأمن يطوقه من كل مكان ..
الشاب يصرخ : انت لست بشرياً انت مسخ .. انت مسخ ..
تتعالي الضحكات و صيحات الغضب من الحضور ..
كيف يجرؤ احدهم ان يفعل هذا ممن له الفضل في كشف كل تلك الاسرار ..
يضحك الشيخ و يطلب من الأمن ان لا يبتعدوا بالشاب  اكثر من ذلك و يطلب منه ان يسأله سؤالاً أخيرا ..
يتلعثم الشاب و العرق يتصبب من كل قطره في جسده ..
يجد نفسه يسأل لا ارادياً : 
- من انت ؟
يضحك الشيخ قائلاً :
- انا من يكشف الحقائق ايها الشاب ..
و يختفي الشيخ ..
و يجد الشاب نفسه خارج المسرح و الامن يذهب به بعيداً ..
و في ركن بعيد يضحك مخرج المسرح لفريق الاعداد ..
فاليوم كانت اول تجربه مسرحية ناجحه له ..
يذهب الي خشبة المسرح ليحي الجمهور الذي هتف بإعجابه بالمسرحية ..
يعود ليسأل مدير امن المسرح بإستغراب :
مال هذا الشاب الذي جري الي ممثلنا المشهور في محاولة للصعود علي المسرح ؟ بينما المسرحية في منتصفها ؟
يضحك مدير الامن قائلاً : لا اعلم لماذا فعل ذلك .. ربما المشهد الكوميدي جعله يحاول ان يقبل نجمنا الكبير ..
لا تقلق من شئ .. فهو لم يصل اليه و قد احتوينا الأمر .. و  اليوم الاول لعرض المسرحية تم بسلام ..
و هناكمعلومات ان هذا الشاب يعاني من فوبيا الظلام و يتخيل اشياء تحدث ..
لم ياخذ موظفي الشباك احتياطهم هذه المرة في الابلاغ عنه و  الامن انشغل بسبب الجمهور.. هو مشهور بوجودة دوما في العرض الاول لكل مسرحية .. و محاولته دوما في كل العروض اعتلاء المسرح و الهجوم علي الممثلين ..
و لكن مع كل شئ العرض كان ناجح  !! اهنئك يا سيدي ..
في هذا الوقت كان الشاب يركض بعيداً ..
دموعه تاكل ما تبقي من وجهه .. يسمع توعدات الامن ان المرة القادمة سيكون مقره مستشفي المجاذيب ..
لماذا اضاع هذه الفرصة من بين يديه ..
 لماذا يحاول الناس دوماً معرفه الحقيقة وهم يعيشون بالكذب ؟؟؟
يعرف ان الشيخ يبتسم في مكان ما ..
و يعرف انه سيحضر حفل الغد ..
بسيجارته العتيقة ..
و بملابسه الرثة القديمة ..
و بآخر قطع نقدية يتحصل عليها هذا الشهر ..
كي ينعم بالسؤال مرة اخري ..
علي خشبة التمثيل .. او كما يسميها خشبة الكذب علي التعساء ..
و يوماً ما سيأتي رجل الامن الذي سيقبض علي الشيخ و من يعاونوه هذه المرة بدلا من القبض عليه..
يوماً ما سيفعلون اكيد ..
و يوما ما سيسأل سؤاله للشيخ و يكمله للنهاية دون ان يقطاعه بحجه ان السؤال سؤال واحد..
لماذ انت يا شيخ هنا ؟؟ و لماذا تأتي كل يوم لي  في كل مكان عندما تظلم الانوار و يرفع الستار؟ !!!



هناك 6 تعليقات:

  1. غامضة..مشوقة...ومخيفة نوعا ما!!

    ابهرتني!..اسلوب رائع..يبدو انني ساكون متابعة دائمة هنا...

    دمت بود :)

    ردحذف
  2. فلسفية وغامضة لكنها مثيرة

    ردحذف
  3. رائعه فعلا فيها فلسفه عميقه وجذبتنى جدا من البداية للنهايه :)

    ردحذف
  4. شكرا لكم جميعاً و يشرفني متابعتكم للمدونة

    ردحذف
  5. حلوة كتير كعادتك يا شاعر.

    ردحذف
  6. حلوة كتير كعادتك يا شاعر.

    ردحذف